في ليالي الخميس العادية يتجمع مجموعات من الاصدقاء و يملؤن كل عربات الطعام في شوارع المعادي لتنتشر الكلمات والضحكات في الاجواء و يدخل زبائن العربات في عشرينيات العمر في محادثات مع مالكي العربات و هم ايضا من نفس السن .
فهنا المكان الذي يتم فيه تشكيل ثقافة شبابية مواكبة للعصر.
تقليديًا، ارتبط طعام الشارع في مصر بالمأكولات الأساسية الشعبية مثل الفول والطعمية والكشري والكبدة وما إلى ذلك. ولكن في السنوات الاخيرة بات هناك تغيرًا ملحوظًا بالنسبة لمعايير الطهي، وأصبحت المأكولات أكثر تنوعًا. فبدلاً من وجود شاحنات طعام توفر الأطباق المصرية التقليدية فقط، أصبح هناك الآن مجموعة متنوعة من الأطعمة المختلفة التي تجذب فئات اكثر.
فأنا من المعجبين بهذا الاتجاه الجديد لأطعمة الشوارع لأنه مثاليًا حيث تتوفر شتى أنواع الطعام التي من الممكن تذوقها أثناء التنقل والتنزه. ومع وجود المزيد من أكشاك الطعام والشاحنات المنتشرة في جميع أنحاء المدينة ، فإن للأسلوب وقعًا آخر على الزبائن ويزيد من القدرة التنافسية.
بالنسبة إليّ، فان عربة الطعام المفضلة لديّ هي Dirty Byrd في تيفولي هليوبوليس. فهو المكان الوحيد الذي يقدم الدجاج المقلي بشكل خاص من الألف للياء ويقدم مجموعة متنوعة من ساندوتشات الدجاج المقلي مع مجموعة من الإضافات والصلصات المختلفة. أما الجزء الأفضل فهو قطع الدجاج المقرمشة التي تظل طازجة حتى بعد تغطيتها بالكثير من الصلصات.
هذا و تحظى عربات الطعام بشعبية كبيرة خاصةً خلال العطلات والمناسبات الخاصة مثل شهر رمضان.
ويشتهر Waterway في التجمع الخامس بصف طويل من عربات الطعام و يزدحم المكان بزبائن تتراوح أعمارهم بين السبعة عشر فيما فوق. و رغم أننا في منتصف الأسبوع و في نصف شهر رمضان، إلا أن كل عربات الطعام مشغولة بإعداد طعام وجبة السحور لزبائنها. ” فمن أول مقهى اسبريسو لاب”، وحتى عربة “شوكس” هناك طوابير من الشباب المنتظرين طعامهم قبل موعد الفجر و بدء يوم جديد طويل من الصيام .
و بالرغم من أن “إسبريسو لاب”، هو مقهى يُعرف بتقديم القهوة ولكن في وقت رمضان، يعد من بين أكثر عربات الطعام ازدحامًا في وقت السحور وبينما لا يقدم الطعام، يعوض ذلك بصحبةٍ جميلة خلال وقت رمضان.
أما عربة الطعام الوحيدة التي تقدم قائمة سحور إضافية هي “يلماز” وعادةً ما تقدم مأكولات شرقية بما في ذلك الحواوشي وسندويشات الكبدة. تشمل قائمة السحور أيضًا أطباق الفول والطعمية والبطاطس المقلية وأطباق الجبن المختلفة التي تناسب وجبة سحور شهية على الطراز القديم.
ومن عربات الطعام الأخرى التي تشتهر باطباقها الشرقية هي “من إيد سميحة” و تقدم الفطائر الحلوة والحادقة المناسبة للسحور في شهر رمضان.
بجانب عربات الطعام التي تقدم أطباق شرقية، Wingmen هي عربة طعام تقدم أجنحة الدجاج مع اختيار سبع من الصلصات المختلفة حسب الرغبة.ولكن احذروا العطش بعدها لكونها حارة بعض الشيء.
ثقافة الطعام الجديدة
يشارك شريف المدني (٢٧ عامًا) في ملكية شاحنة طعام تسمى Flying Dogs (الكلاب الطائرة)، وتتخصص عربة المدني في تقديم شرائح الهوت دوج وأجنحة الدجاج.
كان المدني يحلم طوال الوقت بإنشاء شركة طعام خاصة به. وفي عام ٢٠١٣، و بعد عودته من الدراسة في ألمانيا، قرر أن يبدأ في مشروع عربة الطعام.
يشارك المدني في المشروع أحمد الحسيني وماركو ألبرت، الذين علموا سويًا على قائمة بأنواع طعام مختلفة لاختيار النوع الذي سوف يقدمونه.
ذكر المدني إنهم استقروا على تقديم الهوت دوج وأجنحة الدجاج بعد أن لاحظوا أنها أكلات غير متوفرة بشكل كافي في معظم المطاعم. وبعد ذلك، اتخذوا خطوة شراء العربة التي يقضون بها معظم أوقاتهم الآن. وأن العنصر المختلف بالنسبة لعربة الطعام هذه أن الملاك يقومون بعمل كل شيء، فهو يطهي الطعام بينما يعمل الحسيني وألبرت على الكاشير.
قال المدني: “أعتقد أنه عندما يرى زبائننا أن من يعملون في المكان هم نفسهم المالكين فذلك سيسهل من التعامل والتواصل. فيمكننا التحدث بلغتهم ونعرف طلباتهم مهما كانت محددة و يمكننا بسهولة تنفيذ ما يريدون مضيفا: “نستهدف الزبائن الذين تتراوح أعمارهم بين ١٦ و ٣٥ عامًا، ولكن مع ذلك يضم زبائننا عائلات تأتي في عطلات نهاية الأسبوع”
بالنسبة للدعاية، يعتمد المشروع على التسويق الرقمي و نقل الزبائن المعلومات حوله مع أصدقائهم والوصول إلى زبائن أكثر.
في حين أضاف الحسيني: “أصبح لدينا عملاؤنا الذين يأتون بإنتظام ويسألون عنّا من وقت لآخر . فالأمر لا يتعلق بامتلاك شاحنة طعام فحسب، بل أصبحت بيئة عملنا قائمة على الصداقة حتى مع الموظفين الذين تعلموا كيف يكونوا ودودين مع الزبائن، نتيجة لطريقة تعاملنا مع الزبائن”.
تغذي مثل هذه المشاريع التجارية اقتصاد الشباب الجديد في مصر. وحتى الآن، يبدو أن شاحنات الطعام تحظى بقوة دفع وشعبية كبيران.
تقول مريم إبراهيم (٢١ عامًا) إنها تتطلع إلى ثقافة الطعام الجديدة لأن المطبخ التقليدي أصبح راكدًا وقليل التنوع. فأحد الأشياء التي أحبتها في شاحنات الطعام هو وجود عربة متخصصة لكل مطبخ ويقدمون طعامًا عالي الجودة.
وتضيف مريم: “لطالما تمحورت ثقافة الطعام المصرية حول طعام المنزل أو مطاعم بعينها مثلًا، وكان تناول الطعام مباشرة من الشارع أمرًا غير مرغوب به، ولكن في الواقع إن الطعام رائع والتجربة تعد مختلفة تمامًا، فما الذي قد لا يعجبك إذا؟”
وأكدت مريم إن شاحنات الطعام حققت نجاحًا كبيرًا مع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر والثلاثين، لأنهم من المرجح أن يكونوا أكثر ميلًا إلى المغامرة وتجربة أشياء جديدة كما أنهم أكثر استعدادًا للجلوس على الرصيف إن اضطروا لذلك للحصول على وجبة سريعة.
وأشارت إلى أن كبار السن أو جيل الآباء بشكل عام لا يفضلون طعام الشارع، وقد يرجع ذلك إلى أن الطعام يحضر سريعًا وأن عربة الطعام نفسها قد تكون غير نظيفة أو غير صحية”.مضيفة أن لا أحد يعلم ما هو الطعام المقدم ومدى اتباع الإرشادات الصحية في إعداده.
ولكن على صعيد آخر، ترى فاطمة الحسيني (٤٧ عامًا) أن طعام الشارع لا يقتصر فقط على الشباب، فمن المرجح أن الجيل الأكبر سنًا أيضًا يفضل طعام الشارع وان تنوع الأكلات. هو أمر مشجع وقالت: “إذا كانت جودة الأكل في شاحنة طعام معينة جيدة فعلًا، فلا أرى سببًا لعدم الذهاب والاستمتاع بوجبة سريعة”.
مضيفة أيضًا إنها أحيانًا تأخذ عائلتها في عطلة نهاية الأسبوع إلى عربة الطعام التي يختارونها لكسر روتين الذهاب إلى المطاعم التقليدية.
وفي معظم الاحيان، لا تخدم عربات الطعام الشباب فحسب، بل إنها أيضًا من صنع الشباب.
نُشر هذا المقال لأول مرة في جريدة القافلة ، بقلم ندى النجار. القافلة هي الجريدة الأسبوعية الرسمية لمجتمع طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتُقدم باللغتين العربية والإنجليزية. تطرح القافلة مواضيعًا مختلفة من التقارير والآراء حول الحياة في الحرم الجامعي إلى السياسة والفنون الشعبية والثقافة وآخر التطورات في مجالي العلوم والتكنولوجيا.
ترجمة: إيمان خروشة
Comment (1)
[…] ثقافة طعام جديدة في مصر: من وإلى الشباب […]