//Skip to content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors

ملحمة العيش المستقل: أن تكون شخصًا مستقلًا في مصر

April 17, 2021

يحكي أندرو عماد، مدير العلاقات المؤسسيّة (34 عامًا)، أنّ اتخاذ قرار الاستقلال عن منزل العائلة استغرق عامين، في البداية كانت الفكرة مجرد اقتراح لم أتعامل معه بجديّة، “لاحقًا طرحت الفكرة أكثر من مرّة، ولم يتعامل معها الآخرون بجديّة، وكانت بالنسبة إليهم محض هراء، فيما واصلت تكرار الحديث عن الأمر الذي بدا لهم كمجرد حماقة، وكان الرد: لماذا تريد المغادرة؟ هنا أنت تأكل، تشرب، تنام، وتنظف ملابسك، كل هذا دون مقابل”.

تعد فكرة العيش المستقل بعيًدا عن منزل العائلة، من المحرمات في المجتمع المصري، كما أغلب دول العربي. كما ينظر إليها كفكرة غربية، ونادرًا ما يُقدم عليها الشباب العربي، فهي لا تقبل من العائلة إلّا في إطار الزواج.

بالرغم من ذلك، بدأ الشباب في تنفيذ الفكرة خلال السنوات الأخيرة، ووجد العديد منهم طرقًا مختلفة للهرب من منزل العائلة دون زواج. بيد أنّ الامر ما زال غير منتشر على نطاق واسع، خاصة بالنسبة للفتيات الساعيات إلى الإستقلال.

تجدر الإشارة إلى أنّ رفض مغادرة منزل العائلة، لا تتّم فقط من قِبل الوالدان؛ لكن إمكانية العيش المستقل بعد سن النضح، لا تجد سبيلًا إلى عقول الكثير من الشباب المصري. يحدث ذلك نتيجة لعدّة أشياء، من ضمنها التربية التي ترفض الأمر، وعدم وعي ومعرفة الشباب بأساليب حياتيّة مختلفة، وكذلك عدم الرغبة في التعامل مع التوابع الثقافية والوصمة المجتمعية المصاحبة لهذا القرار، وقد يكون السبب هو الشعور بالراحة لوجود الدعم المالي والعناية اليومية التي توفرها العائلة.

النضال الحقيقي:

تولى عماد أخيرًا زمام الأمور، وانتقل من منزل والديه في سن الحادية والثلاثين، موضحًا أن والديه تكيّفا مع هذه الخطوة في النهاية، يعترف عماد بأنّه أدرك الكثير من الأشياء عن شخصيته بعدما عاش بمفرده.

في مقابلة مع Egyptian Streets، قال: “عندما غادرت منزل العائلة، لاحظت أنني شخص يحب الحفاظ على نظافة مكانه. لم أكن مدركًا لذلك من قبل. فأنا دائمًا أغسل الأطباق التي استخدمها أول بأول، وأرتب سريري كل يوم وأنظم كل شيء”.

يعلّق عماد قائلًا؛ أنّه ربما كان بإمكانه اتخاذ خطوة الاستقلال باكرًا، ربمّا في أواخر العشرينيات. ومع ذلك بالرغم من كونه ذكرًا، أي يتمتّع بقدر أكبر من الحريّة في المجتمع المصري المحافظ إلى حد ما، إلّا أنّه يرى الاستقلال أكثر صعوبة في وقت سابق، وسيتطلب المزيد من الإقناع للعائلة.

وبسؤاله عن سبب اعتقاده أنّ الشباب المصري، لا يستقلّون عادةً عن بيت العائلة في سنٍ معينة، يجيب عماد: “بالنسبة للفتيات، يُعد الاستقلال حرامًا وممنوعًا ووصمة عار، أمّا الشباب فيكون ذلك عادةً بسبب أنّهم مدللون في منزل العائلة، فلماذا إذًا الاستقلال؟ كما أنّ التقاليد تُحتّم عليهم الاستقلال بعد الزواج فقط”.

يوصي عماد الشباب بالاستقلال للتعرّف على أنفسهم بشكل أعمق والبدء في الشعور بالمسؤولية، في ضوء قدر أكبر من الحرية. ويضيف: “لكن الأهم هو ألّا تفقد التواصل مع والديك، فأنا أزور أهلي مرة أو اثنين في الأسبوع وأبات هناك مرة واحدة في الأسبوع، لكن الاستقلال والعيش بمفردي كانا من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي”.

في حين أن الصراع واضح بالنسبة للشباب (الذكور) الذين يسعون إلى الاستقلال في مصر، حيث أن معظم الآباء المصريين التقليديين لا يهتمون عادةً بالفكرة، ولكن الأزمة تعد أكبر بالنسبة للشابات المصريات الساعيات إلى اتخاذ نفس الخطوة.

صراع الفتيات:

تحكي امرأة تبلغ من العمر 34 عامًا (لم ترغب في الكشف عن هويتها) عن تجربتها في الاستقلال: “لقد كان الأمر صعبًا حقًا، لأنّ الآباء العرب النمطيين يعرقلون الخطوة، ودائمًا ما يقولون تنتقل الفتاة من بيت الوالد إلى بيت الزوج، لذلك كان العيش في شقة بمفردي دون زواج مشكلة كبيرة”.

تمكنّت الشّابة في النهاية من إقناع والديها بالانتقال بهدف العمل، وأوضحت لهم أنّه سيكون من المنطقي أن تكون أقرب إلى مكان العمل وعدم الاضطرار إلى القيادة لمسافات طويلة باستمرار لأن عملها يتطلب وجودها في أكثر من مكانٍ واحد.

تضيف: “المهم هو الذهاب والبقاء معهم في المنزل بقدر الإمكان وقضاء أكبر قدر ممكن من الوقت معهم، في البداية، كان الأمر صعبًا للغاية؛ بمثابة معركة”.

عادة ما يُتوقع من الشابات بنسبة أكثر من الذكور، البقاء مع والديهن في المنزل حتى الزواج. بل يصل الأمر إلى وصمة عار ترتبط بالإناث الراغبات في العيش بشكل مستقل، خارج إطار الزواج، فيما يتّم ازدرائهنّ اجتماعيًا.

وبصرف النظر عن الاضطرار إلى إقناع والديهن، يتعيّن على الشابات في كثير من الأحيان أيضًا التعامل مع أصحاب العقارات بمجرد أن يقرروا الاستقلال، فيما رفض ملاك العقارات استئجار بناية لإمرأة بمفردها دون زوج.

تظَل فكرة الاستقلال قبل الزواج غير مفهومة، بالنسبة لغالبية المصريين، إلّا أنّ الظاهرة بدأت في الظهور ببططء. تقول الشابّة ذات الـ34عامًا: “لديّ عدد كبير من الأصدقاء الذين اتخذوا هذه الخطوة لمغادرة منزل والديهم والعيش بشكل مستقل ولكن دائمًا ما يكون ذلك تحت ذريعة الحاجة إلى الاقتراب من العمل، دون الحديث عن رغبتهنّ الحقيقية في الاستقلال لأنّهن كبيرات بما يكفي لفعل الأمر”.

وتتابع: “لكن التحدي الأكبر الذي أواجهه بالتأكيد، هو الالتزامات الكثيرة التي يتعين عليّ فجأةً دفعها بداية كل شهر، ولكن العيش بمفردك يجعلك أقوى ويبني شخصيتك”.

علاج الابتعاد عن البيت:

بالنسبة لبعض الأشخاص، فإن التجربة مختلفة تمامًا. في كثير من الأحيان، نجد شبابًا بالغون، يغامرون من محافظات أخرى أو مدن مصرية بالدخول إلى صخب وضجيج القاهرة بحثًا عن عمل. وما لم يكن لديهم أقارب في المدينة، فليس لديهم خيار سوى العيش بمفردهم في العاصمة.

عندما يتعلق الأمر بمثل هذه الحالات، فإنّ الوصمة المعتادة التي تلحق من يستلقون عن والديهم خارج إطار الزواج لا تنطبق عليهم، أو بالأحرى، يُفهمون على أنّهم شباب اضطروا إلى مغادرة المنزل لكسب لقمة العيش. والأمر مشابه بالنسبة لمن يغادرون مصر تمامًا بحثًا عن فرص عمل في مكان آخر، وبالتالي، يعيشون تجربة العيش المستقل في الخارج.

قالت شابة مصرية (29 عامًا) لم ترغب في الإفصاح عن هويتها: “تجربتي في العيش بمفردي في الخارج غيرتني تمامًا، لقد كانت إحدى أفضل التجارب في حياتي وأكثرها تمكينًا ولكنها بالتأكيد لم تكن سهلة أبدًا”.

وتكمل: “بالتأكيد لا أعتقد أنّ العيش بمفردي، سيكون خيارًا لو لم أغادر مصر مطلقًا”.

غادرت الشابّة مصر سعيًا لفرصة عمل في الخارج، وعلى الرغم من القلق الذي ساورها في البداية، تفهّم والداها الوضع في النهاية. في الواقع، لا يقلق الآباء المصريون على أبنائهم الذين يعيشون مستقلين طالما كانوا خارج البلاد، ربما يرجع ذلك جزئيًا إلى غياب الوصمة الثقافية التي تصاحب استقلال الأبناء للبحث عن عمل.

بعد عام ونصف من العيش بمفردها في الخارج، عادت مؤخرًا إلى منزل والديها في مصر وعلقت: “صراحة من الصعب العيش مع والدايّ مرة أخرى بعد الاستقلال، وذلك لأنهم لن يتفهمّوا النمو العقلي الذي مررت به والاستقلالية التي اكسبتني إياها التجربة”. وبالرغم من حبها لوالديها، إلّا أنّها تُفضّل الاستمرار في العيش بشكل مستقل، وتخطط لمحاولة تحقيق ذلك بمجرد عودتها واستقرارها في مصر.

قبل وبعد:

هناك قطاع كبير جدًا من الشباب المصري لم يسبق لهم الاستقلال عن الآباء إلّا بالزواج. تحكي شيرين مدحت، كاتبة محتوى إعلانات (34عامًا): “أشعر أنّ العيش بشكل مستقل أمر مهم، لتعلم كيفية الاستمتاع بصحبة نفسك”. غادرت مدحت منزل جدتها بعد الزواج، وتصف كيف فقدت بشكل ما فصل من حياتها كان من الممكن أن تعيشه بشكل مختلف. وأضافت: “الشيء الآخر الذي لطالما وجدته مزعجًا، عندما يتعلق الأمر بالفتيات اللاتي يخرجن من منزل والديهن للزواج، هو أنّ الآباء المصريين ينقلون سلطتهم إلى أزواج بناتهم، وإلّا فإنّ بناتهم سيسيئون التصرف إذا عشنّ مستقلّات. بالرغم من أنّ هذا لم يكن الحال بالنسبة لي؛ لكني ما زلت أجد المفهوم في حد ذاته مهينًا للغاية”.

على الرغم من أنها لم تعيش تجربة العيش المستقل قبل الزواج؛ لكنها تشجع استقلال الشباب عن الأهل. “أنا من الأشخاص الذين يعملون بشكل أفضل تحت الضغط. أود تصديق أن الناس يتعلمون من المواقف الصعبة. أشياء مثل غسيل ملابسك ودفع فواتيرك وطهي طعامك تحدث فرقًا شاسعًا في شخصيتك لا سيّما في سن مبكر”.

وتضيف: “عليك أن تتعلم قبول حقيقة أنّ الحياة لا تدين لك بشيء، لتجعلك تشعر بالسعادة والراحة، يبدو الأمر كما لو أنّه يتعين عليك كسبها أحيانًا، وعندما تفعل ذلك تشعر بأنّها جيدّة، وأنك تستحقها”.

تختم مدحت قائلة: “بغض النظر عن مدى حبنا لوالدينا، يأتي وقت تكون فيه المسافة ضرورة لصحّة العلاقة، الالتقاء بهم بين الحين والآخر يجعلك تقضي وقتًا ممتعًا معهم. يمنحك منظورًا جديدًا للأشياء.تبدأ في رؤيتهم كأشخاص كانوا في يوم من الأيام أطفالًا مراهقين وبالغين، مثلك تمامًا. تساعدك التجربة على أن تصبح أكثر تفهمًا لمن حولك”.

يبدو أنّ الفكرة الشائعة لمعظم الشباب المصري؛ الذين يسعون للعيش بشكل مستقل هي أنهم يقدرون ويحترمون فكرة أنّ ترك منزل والديهم لا يعني فقدان الاتصال بهم، على العكس، يعبّر معظم الشباب المصريين عن الحاجة إلى مساحة خاصة بهم، ولكن ليس على حساب كسر روابط العائلة.

Comment (1)